(( سبعة يظلهم الله في ظله ))
عن أبي هريرة - رضى الله عنه - ، أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : الإمام العادل ، و شاب نشأ في عبادة ربه ، و رجل قلبه معلق في المساجد ، و رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه و تفرقا عليه ، و رجل دعته امرأة ذات منصب و جمال فقال : إني أخاف الله ، و رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، و رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ) . متفق عليه .
قال الإمام النووى فى " شرح مسلم " :-
قوله صلى الله عليه و سلم : ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) قال القاضي : إضافة الظل إلى الله تعالى إضافة ملك ، و كل ظل فهو لله و ملكه و خلقه و سلطانه .
و المراد هنا ظل العرش كما جاء في حديث آخر مبيناً ، و المراد يوم القيامة إذا قام الناس لرب العالمين ، و دنت منهم الشمس و اشتد عليهم حرها ، و أخذهم العرق ، و لا ظل هناك لشئ إلا للعرش .
قوله صلى الله عليه و سلم : ( الإمام العادل ) قال القاضي : هو كل من إليه نظر في شئ من مصالح المسلمين من الولاة و الحكام ، و بدأ به لكثرة مصالحه و عموم نفعه .
( و شاب نشأ في عبادة ربه ) أى : نشأ متلبسا للعبادة ، أو مصاحباً لها ، أو ملتصقاً بها .
( و رجل قلبه معلق في المساجد ) ، و في رواية : ( معلق بالمساجد ) : و كلاهما صحيح ، و معناه : شديد الحب لها ، و الملازمة للجماعة فيها ، و ليس معناه : دوام القعود في المسجد .
( و رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه و تفرقا عليه ) معناه : اجتمعا على حب الله ، و افترقا على حب الله ، أي : كان سبب اجتماعهما حب الله ، و استمرا على ذلك حتى تفرقا من مجلسهما ، و هما صادقان في حب كل واحد منهما صاحبه لله تعالى حال اجتماعهما ، و افتراقهما .
و في هذا الحديث : الحث على التحاب في الله ، و بيان عظم فضله و هو من المهمات ، فإن الحب في الله ، و البغض في الله من الإيمان ، و هو بحمد الله كثير يوفق له أكثر الناس .
( و رجل دعته امرأة ذات منصب و جمال فقال : إني أخاف الله ) قال القاضي : يُحتمل قوله : ( أخاف الله ) باللسان ، و يُحتمل قوله في قلبه ليزجر نفسه ، و خص ذات المنصب و الجمال ؛ لكثرة الرغبة فيها ، و عسر حصولها ، و هي جامعة للمنصب و الجمال لا سيما و هي داعية إلى نفسها ، طالبة لذلك ، قد أغنت عن مشاق التوصل إلى مراودة و نحوها .
فالصبر عنها لخوف الله تعالى - و قد دعت إلى نفسها مع جمعها المنصب و الجمال - من أكمل المراتب ، و أعظم الطاعات ، فرتب الله تعالى عليه أن يظله في ظله ، و ذات المنصب هي : ذات الحسب و النسب الشريف .
و معنى : ( دعته ) أي : دعته إلى الزنا بها ، هذا هو الصواب في معناه .
( و رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ) فيه : فضل صدقة السر .
قال العلماء : و هذا في صدقة التطوع فالسر فيها أفضل ؛ لأنه أقرب إلى الإخلاص ، و أبعد من الرياء .
و أما الزكاة الواجبة فإعلانها أفضل ، و هكذا حكم الصلاة فإعلان فرائضها أفضل ، و إسرار نوافلها أفضل ؛ لقوله صلى الله عليه و سلم : ( أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ) .
قال العلماء : و ذكر اليمين و الشمال مبالغة في الإخفاء ، و الاستتار بالصدقة .
( و رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ) فيه : فضيلة البكاء من خشية الله تعالى ، و فضل طاعة السر لكمال الإخلاص فيها .