ستعيد حكومة شرف تطبيق القانون دون إصلاح الأخطاء والعيوب الرئيسية التى تسببت فى الرفض الشعبى العارم له ؟
نرصد هنا بعض النقاط الرئيسية التى تثير غضب ورفض كثير من المصريين تجاه القانون الجديد وتلقي التساؤلات حول مدى نجاح القانون حال تطبيقه.
1- الازدواج الضريبى و فكر الجباية
لما كانت الضريبة العقارية بشكلها الحالى تفرض على رؤوس الأموال, و ليس على عائد أو دخل تحقق منها, و لما كانت هذه الأموال قد تولدت نتيجة أعمال مشروعة , و تم السداد الضرائب المستحقة عليها فى حينه, فكيف يتم إخضاعها للضريبة ؟ إن القانون الحالى يعنى أن الدولة تعتبر كل ملاك العقارات فيها متهربين ضريبيا و أنهم تهربوا من سداد حق الدولة فتعاقبهم بفرض ضريبة جزافية على ممتلكاتهم !!
ومما يوضح فكرة الجباية أن الإيرادات الناتجة عن تأجير العقارات لأغراض تجارية أو أى غرض أخر كانت تخضع بالفعل للضريبة بسعر 2,5 % من القيمة الإيجارية بعد خصم 50 % مقابل جميع التكاليف و المصروفات و ذلك بموجب القانون رقم 91 لسنة 2005 و الذى أصدرته حكومة نظيف , و لكن القانون الجديد أعطى وزير المالية حق تقييم العقار و تقدير القيمة الايجارية التى تحدد مبلغ الضريبة , دون إعتبار للعقود و مستوى ايجارات المثل و لا أى إعتبارات أخرى بخلاف ما يراه سيادته و مساعدوه.
2- إرتفاع تكلفة التحصيل و الصعوبات الفنية و الادارية
لقد أختلف المسئولين و الخبراء حول قيمة الحضيلة المتوقعة من الضريبة العقارية و تراوحت التقديرات بين 4 مليار جنيه و 40 مليارا , و لكن لم يحدثنا أحد عن تكلفة تحصيل الجنيه الواحد من تلك الحصيلة , أخذا فى الإعتبار إتساع نطاق الضريبة و ضرورة إعداد الكوادر الكافية و المؤهلة و قواعد البيانات الضخمة لحفظ و تسجيل و تحديث بيانات الحصر و التقييم و إعادة التقييم كل 5 سنوات, و ربما كان هذا هو السبب فى التفكير بإعادة التقييم كل 10 سنوات, و التواصل مع الممولين سواء لتلقى الإقرارات أو للمطالبة بالضريبة و متابعة توريدها, و كذلك تكلفة النزاعات القانونية بين الدولة و المواطنين بسبب التقييم أو الربط أو خلاف ذلك و تكلفة المكاتب الاستشارية التى قد نحتاجها سواء فى التقييم أو إعادة التقييم أو غير ذلك.
و إذا تذكرنا فشل مأموريات الضرائب العقارية, و المأموريات الأخرى فى مجرد إستقبال المواطنين الراغبين فى الحصول على الإقرارات أو تسليمها فى نهاية عام 2009 برغم صدور القانون فى منتصف 2008 , و إذا أخذنا فى الإعتبار أن مصلحة الضرائب ستتعامل مع ما يقارب 30 مليون مواطن بشكل مباشر, و بدون وسطاء و أن الشركات و رجال الأعمال لن يقوموا بدور المكلف بالتحصيل لحساب المصلحة, كما هو الحال فى ضريبة المبيعات و الضريبة على التوظف لذلك نتصور أن تنفيذ الضريبة العقارية سيدخل فى نفق طويل من الصعوبات الفنية و الادارية و إرتفاع التكلفة سيجعله كابوسا مزعجا للحكومة بأكثر مما هو مزعج للمواطنين .
3- القانون يحاسب الفقراء على الأرباح التى حصدها حيتان تسقيع الأراضى
من الغريب أن قانون الضريبة العقارية الجديد قد إنصب على العقارات المبنية و تجاهل تماما ( تسقيع الأراضى ) و سمح بتكوين ثروات تقدر بالمليارات دون أن يحاسب أصحابها و لكنه إنتظر ليحاسب من إشتروا العقارات المبنية علي تلك الأراضى ليسكنوا فيها , بينما معظم الربح الذى تحقق للشركات العقارية نتيجة تسقيع الأراضى يتمتع بإعفاءات عديدة حيث تباع الشركات المالكة للأراضى , أو أسهمها عن طريق سوق المال لتتجنب دفع أى ضريبة, هذا إذا لم تتمتع بالإعفاءات المخصصة للمجتمعات العمرانية الجديدة , و التى لازالت قائمة عمليا و ستبقى كذلك حتى عام 2016 على الأقل.
وهكذا يكون الفقراء و متوسطى الحال قد دفعوا لأصحاب الشركات العقارية أرباح الأراضى بعد تسقيعها و دفعوا للحكومة الضريبة على تلك الأرباح نيابة عن أصحاب الشركات !!
و يمكن تجنب هذا الوضع الشاذ ببساطة لو إنصبت الضريبة العقارية على التصرفات العقارية يكون وعائها الربح الناتح عن بيع العقارات بعد خصم كل التكاليف و المصروفات بقيمتها الحقيقية, ولا شك أن ذلك سيحقق حصيلة لابأس بها فى ظل حالة الرواج العقارى الفاخر الذى ساد البلاد فى السنوات الأخيرة .
4- التقييم الغامض للقيمه السوقية للعقارات
تثير الطريقة الغامضة التى ستتم لتقييم القيمة السوقية و إعادة تقييمها كل 5 سنوات أو 10 سنوات, وترك القانون طريقه تقييم العقارات و تحديد حالات الاعفاء بيد وزير المالية ولم يحددها بشكل واضح ومحدد .
كما يفترض القانون أن كل تحسين طرأ على العقار لم ينتج إلا بفضل الحكومة و على نفقتها و بالتالى يجب إخضاعه للضريبة, و هنا يجب على كل مواطن أن يفكر كثيرا قبل أن يطور أو يحسن من تجهيز شقته أو تشطيباتها الداخلية أو الخارجية , و يفضل أن يعيش فيها على المحارة و لا ينصح باستخدام السيراميك و الديكورات الفاخرة و السوبر لوكس و ما شابه , لأن ذلك قد يزيد من قيمتها السوقية و يكلفه المزيد من الضرائب العقارية !!
والغريب أن الحكومة السابقه ادعت أن حصيلة الضريبة العقارية ستذهب لتقديم خدمات للمواطنين , و لم تهتم أصلا بتحسين خدمات أساسية مثل إصدار تصاريح البناء للمواطنين , حتى إن البنك الدولى وضع مصر فى المركز 156 من حيث سهولة استخراج تراخيص البناء فى تقريره عن ممارسة الاعمال فى 2010 و قال إن الاجراءات المطلوبة لاستخراج ترخيص البناء فى مصر تبلغ 25 إجراءا و تحتاج 218 يوم عمل , مقابل 132 يوم فى بوركينا فاسو و و 40 يوما فى الولايات المتحدة و 95 يوما فى بريطانيا !
5- تجميع الثروة العقارية للشخص فى اكثر من وعاء يكرس تكرار الاعفاءات
القانون لم يجمع الثروة العقارية للشخص فى وعاء ضريبى واحد و إنما سمح للممول بأن يكون له أكثر من وعاء و بالتالى سمح له بالحصول على إعفاءات متعددة تبعا لتعدد العقارات التى يملكها , و يترتب على ذلك أن يخضع للضريبة من يملك شقة واحدة تبلغ قيمتها 500 ألف جنيه , بينما لا يخضع لها من يملك 100 شقة طالما أن كل شقة على حدة فى حدود 490 ألف جنيه برغم أن الثروة العقارية للثانى تفوق الاول بعشرات المرات.
فالقانون قد تجاهل عدالة توزيع الأعباء حسب القدرة التكليفية لكل ممول و الذى يؤشر إليه حجم الثروة العقارية للممول, و أعطى الأغنياء إعفاءات متكررة بدون سبب منطقى و أخضع الفقراء, الذين قد يصبحوا مطالبين بتمويل الخدمات التى يتمتع بها غيرهم , و تزيد صعوبة هذا الوضع و تتزايد خطورة عواقبه إذا تذكرنا الغموض الذى يسود خطوات التقييم و اعادة التقييم و هو ما يفتح أبواب التيسير للبعض و يفتح أبواب الجحيم أمام البعض الآخر, مضافا إليه ما خلص له البنك الدولى من صعوبة دفع الضرائب فى مصر أصلا !! و الذى وضع مصر فى المركز 140 عالميا فى سهولة دفع الضرائب , كما ورد فى تقرير ممارسة الاعمال فى مصر فى 2010 , و هو ما يعكس الصعوبة التى سيواجهها ملايين الممولين البسطاء فى التعامل مع مصلحة الضرائب بداية من تعبئة نماذج الاقرارات و نهاية بالمطبات الفنية فى المحاسبة الضريبية و مرورا بالطوابير الغير الادمية أمام مكاتب الضرائب و الوقت المهدر فيها و هى تكلفة إجتماعية لا تجعل حياة الناس أكثر سهولة أو يسرا
6- عدم استخدام بدائل اخري لزياده الموارد
أمام وزارة المالية بدائل أخرى عديدة لتدبير موارد إضافية لخزينة الدولة, مثل تطبيق الضرائب التصاعدية على أرباح الشركات كما هو متبع فى أغلب دول العالم خاصة و أن هوامش الأرباح تسمح بذلك , أو أن تلغى بعض الإعفاءات التى يتمتعون بها مثل إعفاء أرباح المضاربة فى البورصة خاصة و أنها أصبحت تستخدم للإلتفاف على القانون و تجنب سداد حق الدولة و كان أمامها أيضا تطبيق الضريبة العقارية على التصرفات العقارية بيعا و شراء, و قبل ذلك كله و بعده الاستغلال الامثل للطاقات الغير مستغلة و الموارد المتاحة من بترول و غاز و أراضى و إلغاء دعم الطاقة للمصانع التى تحقق أرباحا خيالية و خاصة مصانع الاسمنت و الحديد و الاسمدة و السيراميك بالاضافة الي ضبط الإنفاق الحكومى و وقف الإسراف الذى يكلف دافع الضرائب أعباء متزايدة عاما بعد عام .
7 - عدم إعفاء السكن الخاص إسوة بالإعفاءات العديدة الممنوحة للمستثمرين
عند مناقشة طلب إعفاء السكن الخاص من الضريبة العقارية, إمتلك أحد رموز الحزب الوطنى المنحل فى مجلس الشعب قدرا هائلا من الشجاعة ليقف تحت القبة صارخا أنه لا يريد أحدا فى هذا البلد لا يدفع ضرائبا !!
بالرغم من أن فكرة الإعفاءات واردة بعدة أساليب فى قوانين الضرائب المصرية, فبعضها ينص عليه صراحة مثل إعفاءات مضاربات البورصة و المناطق الحرة و إعفاء العقارات فى المجتمعات العمرانية الجديدة و المناطق الحرة من الضريبة العقارية ذاتها و معظمها لازال ساريا حتى الان و لكن يبدو أن الحديث عن الإعفاءات للمستثمرين يمكن دائما تبريره, أما الإعفاء للفقراء و متوسطى الحال فلا يجد من يدافع عنه.
و قد يتسائل البعض كيف تتم المساواة فى إعفاء ساكنى العشش و ساكنى القصور , و من يملك سكنا وحيدا و من يملك أكثر من مسكن فى المدينة و فى الريف و فى الساحل الشمالى و الحل ببساطة شديدة هو تجميع الثروة العقارية للشخص الواحد فى وعاء واحد و تطبيق الضرائب التصاعدية بعد وضع حد إعفاء يضمن البعد الاجتماعى للفقراء و متوسطى الحال , فالحل سهل و ممكن إذا توفرت الاراد.
8- التعارض مع قوانين سابقة
بعد صدور قانون الضريبة العقارية بفترة قصيرة , تنبه البعض إلى تعارضه مع نصوص قانون المجتمعات العمرانية الجديدة , و الذى أعفى كل العقارات فى المجتمعات الجديدة من الضرائب , ولم ينتبه كثيرون إلى التعارض مع قانون أخر هو القانون رقم 136 لسنة 1981 و الذى تنص مادته الحادية عشر على :
" فيما عدا المبانى من المستوى الفاخر يعفى اعتبارا من أول يناير التالى لتاريخ العمل بهذا القانون مالكو وشاغلو المبانى المؤجرة لاغراض السكنى والتى أنشئت أو تنشأ اعتبارا من 9 سبتمبر سنة 1977 من جميع الضرائب العقارية الاصلية والاضافية ..... "
وللمرة الثانية يقع قانون الضريبة العقارية فى تنازع مع القوانين السائدة و المستقرة , و التى تأسست بناء عليها حقوق مكتسبة للمواطنين الذين يملكون أو يشغلون مبانى لأغراض السكن دون المستوى الفاخر , و يبدو ان التضارب الحقيقى هو بين فكر يرى أن الضرائب وسيلة لتوجيه الانشطة الاقتصادية لخدمة أهداف إجتماعية محددة , و فكر أخر أمام لا يضع نصب عينيه سوى الحصيلة و تمويل خزينة الدولة , فقد كان صدور القانون رقم 136 لسنة 1981 يهدف للمساهمة فى حل مشكلة الاسكان , و لو بتنازل الدولة عن بعض الحصيلة الضريبية , و لكن صدور قانون الضريبة العقارية الجديدة لا يبدو له هدفا سوى زيادة الحصيلة دون الاهتمام هل تم بالفعل حل مشكلة الاسكان أم أن سكان العشوائيات و المقابر يمثلون ملايين الشهود على أن الازمة لازالت تلقى بظلالها الكئيبة على الاسر المصرية برغم المنتجعات و ملاعب الجولف و الاسواق التجارية النى ملأت مصر فى ظل إنتعاش سياسة الاسنثمار العقارى الفاخر.
9- الضريبة العقارية فى مصر و العالم
الضريبة العقارية قد ألغيت فى العديد من الدول بسبب عدم شعبيتها و إرتفاع تكلفة تحصيلها و هى ضريبة محلية تدفع للبلديات و المحافظات مباشرة لرفع مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين و لا تدفع للحكومة المركزية فى العاصمة .
تنصب الضريبة العقارية فى العديد من الدول على التصرفات العقارية و يكون وعاءها هو الفرق بين سعرى البيع و الشراء بعد استبعاد كافة التكاليف التى تكبدها البائع لتحسين العقار , و لو طبق هذا الأسلوب فى مصر سيخضع أرباح الشركات العقارية و أرباح حيتان تسقيع الأراضي.