من مقالات اسامة امين الشيخ
ولد البهاء زهير بوادى نخلة بالقرب من مكة المكرمة فى الخامس من ذى الحجة 581 على حد قول ابن خلكان صاحب ( وفيات الأعيان ) وقضى طفولته وفترة من صباه فى الحجاز ثم انتقل إلى مدينة قوص بصعيد مصر وكانت مركزاً الثقافة فى هذا العصر وملتقى القوافل بين الشرق والغرب وملتقى العلماء والأدباء والكتاب والتجارة كما كانت تمر بها القوافل التجارية المتجهة إلى ميناء عيذاب بالبحر الأحمر والآتية منه وازدهر فيها العمران حيث كان بها الكثير من الوكالات والفنادق وقامت فيها حركة علمية كبيرة إذ ذكر بعض المؤرخون أنه كان بقوص 18 مدرسة لدراسة الفقه السنى والحديث والتفسير والأدب والفلسفة كما ضمت كثير من المكتبات العامرة بالكتب المختلفة وفى هذا المناخ الثقافى نشأ البهاء زهير فعكف على الدراسة والقراءة والإطلاع والتزود بشتى المعارف المختلفة وعظم شأنه وذاع صيته ولم يشهد العصر الأيوبى شاعراً مثله فقد انتشر شعره وتغنت به الأقطار العربية إذ كان يتغنى بالفتوحات والانتصارات العربية على مدى وقائعها وانتشارها.
يعتبر البهاء زهير مدرسة جديدة فى الشعر العربى فقد خرج بشعره عن نطاق التقليد والمحاكاة والسير على ما سار به الأقدمون إلى لون جديد يتحلى فيه الإبداع وعمق المعانى وسحر الأخيلة والنفوذ إلى أعماق العامة والخاصة ولعل لذكائه الخارق أثر كبير فى إدراك طموحات المجتمع ومعاناته فنزل بشعره إلى العامة والخاصة حتى يمكن أن يحقق الشعر أهدافه القومية والثقافية .
وحين نصف البهاء زهير بأنه شاعر عربى فإننا نقصد المعنى الأدق من هذه الصفة فهو عربى قومى ولد بمكة ونشأ فى قوص وعاش فترة الحروب الصليبية متنقلاً ما بين مصر والشام والعراق وعلى ذلك فإن بيئته العربية لم تكن محلية أو قطرية وإنما كانت بيئة قومية عامة أثرت فى حياته وشعره تأثيراً كبيراً .
وقد عاش البهاء طفولته وبعض سنين من صباه فى الحجاز كما يقرر هو فى شعره :
سقى الله أرضاً لست أنسى عهودها ويا طول شوقى نحوها وحنينى
منازل كانت لى بهن منازل وكان الصبا إلفى بها وقرينى
تذكرت عهداً بالمخصب من منى وما دونه من أبطح وجحون
وأيامنا بين المقام وزمزم وإخواننا من وافد وقطين
ثم ارتحل البهاء إلى قوص وهى كما وصفها " ياقوت " فى معجم البلدان : بانها مدينة كبيرة عظيمة واسعة قصبة صعيد مصر وأهلها أرباب ثروة واسعة ويصفها الأدفوى فى كتابة الطالع السعيد:
وقد عنى ولاتها ورؤساؤها بإنشاء المدارس بها وزودوها بالخزن التى احتوت على جملة صالحة من الكتب النافعة واستخدموا لها مشهورى العلماء للتدريس بها وفى هذه البيئة الثقافية الحضارية نشأ البهاء زهير ونمى شخصيته واستطاع أن ينهل من مناهلها المختلفة ما بوأه مكانة سامية فى الشعر والعلم والسياسة والسفارة ومما وصل به إلى أن يكون رئيساً لديوان الإنشاء فى عهد الملك الصالح ( نجم الدين أيوب ) ولا يصل إلى هذا المنصب الخطير إلا من اكتمل علمه وثقافته واستطاع الفتى البهاء أن يلفت إليه الأنظار فى مدارس قوص على اختلاف مناهجها بذكائه ولباقته وقدرته على الحديث وإلمامه بالتراث ديناً وعملاً وشعراً ونثراً وشخصيته الدمثة الرقيقة التى تستحوذ على إعجاب الجميع.
وسرعان ما ضمه حاكم قوص الأمير مجد الدين اللمطى إلى رجاله وجعله من خاصته وأعده ليكون من رجال الدولة البارزين فى مصر والمتصفح لشعر البهاء زهير يدرك منه مدى ثقافته الواسعة فى شتى العلوم والآداب.
وتنوعت أغراض الشعر لدى أبو الفضل زهير محمد بن على بن يحيى ين الحسن بن جعفر بن عاصم المهلبى والفن الذى يغلب على شعر البهاء هو الغزل وأكثر من قوله والبهاء يتغزل بالمرأة ويتودد إليها ويصف محاسنها وصفاً مادياً ويتحدث أيضاً عن أحوال العاشقين من تشوق إلى اللقاء وسرور بالمواتاه وحيرة عند الهجران وغيره عنيفة على المحبوب وتودد للاسترضاء وبكاء عند الوداع وكل ذلك كان بطابع مصرى خفيف الروح فيقول :-
لطفت فى وصل الهوى كلماتى أين أهل القلوب والأشواق
شنف السامعين ضر كلامى وتحلت أجيادهم أطواقى
وللمديح فى جعبة شاعرنا زهاء ست وعشرين قصيدة فيقول فى مدح الصالح نجم الدين أيوب :
فإليك يا نجم السماء فإننى قد لاح نجـم الدين لى يتألق
الصالح الملك الذى لزمانه حسن يتيح به الزمان ورونق
وكذلك فى الفخر فلم يقل مثله من الشعراء فى ذلك الغرض فقد افتخر بحبه ودماثة أخلاقه واتصافه بالوفاء فيقول:
أنا فى الحب ألف الناس معنى دمث الخلق ذو حواشى رقاق
أعشق الحسن والملاحة والظرف وأهوى محاسن الأخلاق
لم أخن فى الوداد قط حبيباً فينادى على فى الأسواق
وعن الشوق والحنين إلى الوطن فاشتاق إلى الحجاز وحن إليها ثم أحب مصر ونسب إليها وجرت المصرية فى عروقه فيقول عن حنينه إليها:
أأرحل عن مصر وطيب نعيمها وأى مكان بعدها لى شائق
وهناك الرثاء والتصوف والنصح والإرشاد وشعره فى النسيب وكلما تتعمق فى شعر البهاء زهير تجد أنك تسير فى درب لا نهاية له.