منذ أن نشأت الضرائب العقارية وحتى أوائل السبعينات كانت هيبة الصراف لا تقل أهمية عن هيبة عمدة الناحية أو كبار رجال الإدارة بها , فهو كان صاحب الكلمة المسموعة والرأى السديد وكلمته هى كانت كلمة الفصل فى فض النزاع بين أهالى الناحية التى يعمل بها , فالكل كان يتمنى رضاه ويتكالب الجميع على استضافته بل وعلى تلبية نداءه وحمل حقيبته والجميع كان يتمنى أن يجلس بجواره وكان ذلك بسبب حصانته التى هيئتها الدولة له فكانت الحصانه التى يمتاز بها من أجل تأدية عمله على أكمل وجه ألا وهى أن الفلاح أو المزارع لا يجوز جنى محصوله أو درس حصاد زرعه دون إزن مكتوب منه , وكان الغرض من ذلك تمكنه من حصوله على الأموال الاميرية , ومن خالف ذلك يحرر له الصراف محضرا بجنى محصوله أو درس حصاده دون إزن منه لعدم سداد الاموال المستحقة عليه , وبذلك يتعرض المخالف نفسه للمسائلة الجنائية مع دفع المال المطلوب والغرامة , وإذا ضبط شخص دون أن يحمل إسم تاجرا بنقل محصولا من داخل القرية الى خارجها دون إزن من الصراف يعرض نفسه لنفس المسائلة الجنائية بإعتباره متهربا من سداد الأموال المستحقة عليه , وهذه هى الحصانة القضائية بعينها التى كانت تساعد الصراف على تحصيل الاموال الاميرية , كما ان الصراف كان يقوم بقيد المواليد والوفيات داخل القرية , وهذه حالة أخرى من حالات المساعدة على التحصيل , إضافة الى سلطة الحجز الادارى المسنده اليه , بل وكان الصراف هو الصندوق الأسود الذى يحمل أسرار الصيرافية بداخله ويصعب على أحد معرفته , وبذلك كله كونت عند الصراف شخصية قوية يهابها الجميع ويحسدوه عليها ، الى أن جائت الفترة مابعد أوائل السبعينات وبدأ الحقد والحسد ينصب على الصراف من قبل المسئولين عن توزيع الصيارف بمديريات الضرائب العقارية الى أن وصل بهم الهال ببيع الصيرافيات الى بعض الصيارف أو اسنادها الى اقاربهم أو أتباعهم أو من يقدم لهم ولاء الطاعة أو الهدايا , ومن هنا بدأ فساد بعض الصيارف نتيجة مد أيديهم للمال العام لسد رمق هؤلاء المسئولين أصحاب النفوس الضعيفة مما جعل الصراف فى نظر الجميع بأنه حرامى ومختلس , الأمر الذى دفع تعدد الشكاوى ضد الصيارف مما دفع المسئولين سلب معظم صلاحيات الصراف والتى ذكرناها والتى كانت تساعده على التحصيل ماعدا سلطة الحجز الادارى , وقد إزداد الطين بله بإحالة الضرائب العقارية الى وزارة الحكم المحلى التى زادت من إجهاض عمل الصراف والحد من نفوزه بسبب إرضاء المسئولين بالحكم المحلى وأتباعهم , وتدخلهم بالوساطة فى نقل الصيارف وتعيينهم , وقد إنقلبت الآية وأصبح الصراف يدادى الممول ويتودد اليه وخاصة المسئولين بالحكم المحلى وأتباعهم ويطالبهم كالمتسول من أجل الحصول على أموال الدولة وأصبح الصراف بين المطرقة والسندال , فمطرقة النيابة الادارية التى تدق على رأس الصراف بالجزاء سنويا نتيجة عدم القضاء على المتأخرات ومطرقة المسئولين بالحكم المحلى خوفا على نقله من الصسرافية وأيضا خوفه من الفلاح الأعوج مثل آلته العوجاء الذى يلف ويدور على الصراف مما يتسكع الصراف عليه مرة تلو الاخرى للحصول على المال , كما يخشى من توقيع الحجز عليه خوفا من القاء التهم عليه من الفلاح بأنه قد أخذ منه أموالا عن سنوات سابقة واستخرج له قسائم بأقل من المدفوع له أو أنه سدد ولم يستلم القسائم وهنا تصدق مديرية الضرائب قول الفلاح وتظن السوء دائما فى الصراف , فاصبح الصراف تائها مابين إرضاء الفلاح أو القضاء على المتأخرات , كما أن هناك جوانب أخرى سنتطرق اليها فيما بعد , ولكن هذا جانب من أسباب إضعاف التحصيل , فتهاون المسئولين من مصلحة الضرائب العقارية بإهدار الجانب الأكبر من سلطة الضبطية القضائية التى كانت ممنوحة للصراف إنقلب السحر على الساحر وأصبحت الضرائب العقارية تنادى بضعف الحصيلة وعدم توقيع الحجوز ولم يكتفى سوء القدر على الصراف الاحوال التى تمر بها البلاد الآن .