الجزء الرابع من
دليل الحج والعمرة
إعادة الإحرام للحج من مكة:
إذا كنت متمتعًا؛ ففي اليوم الثامن من شهر ذي الحجة -ويسمى يوم التروية- تهيأ للإحرام بالحج على نحو ما سبق بيانه في الإحرام حين بدء الرحلة، والبس ملابس الإحرام الموصوفة على الطهارة -غسلاً أو وضوءًا- ثم صلِّ ركعتين بالمسجد الحرام إن استطعت، وانوِ الحج وقل إن شئت: "اللهم إني أردت الحج فيسره لي وتقبله مني". ثم قل: "لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك.. لا شريك لك".
ومتى قلت ذلك بعد تلك النية، صرت محرمًا بالحج، ورددها كلما استطعت في سيرك ووقوفك وجلوسك، وارفع بها صوتك دون إيذاء لغيرك.. والمرأة تلبي في سرها.. وداوم عليها وأنت في الطريق إلى منى، وإلى عرفات، وفي عرفات، وحين الإفاضة من عرفة إلى المزدلفة. وفي هذه الأخيرة، وعند وصولك إلى منى يوم النحر، ولا تقطعها حتى تبدأ في رمي مرة العقبة.
الحج عرفة:
ثم استعد للوقوف بعرفة يوم التاسع من ذي الحجة؛ لأن هذا الوقوف هو الركن الأعظم للحج، كما جاء في الحديث الشريف "الحج عرفة". فمن فاته الوقوف فقد فاته الحج.
ويتحقق هذا الوقوف بوجود الحاج وحضوره أي لحظة ولو مقدار سجدتين، واقفًا أو جالسًا أو ماشيًا أو راكبًا في أي وقت من بعد ظهر يوم التاسع إلى فجر يوم العاشر، والأفضل الجمع بين جزء من النهار في آخره وأول جزء من ليلة العاشر منه؛ أي قبيل غروب شمس يوم التاسع إلى ما بعد الغروب بقليل، ويحسن أن تكون على طهارة، وأفضل الدعاء على عرفة ما جاء في الحديث الشريف: "أفضل الدعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيّون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير".
واخشع وتذلل لربك، نادمًا على ذنبك وخطاياك، راجيًا عفوه، طامعًا في رحمته ورضوانه، متمثلاً يوم الحشر الأكبر، فإن عرفة صورة منه؛ فقد حشر فيه الخلق من كل جوانب الأرض حجاجًا.
الصلاة بنمرة:
صلِّ الظهر والعصر يوم التاسع مقصورتين (ركعتين) مجموعتين جمع تقديم؛ أي صلهما في وقت الظهر مع الإمام في مسجد نمرة إذا استطعت، ولا تفصل بينهما بنافلة، وإلا فصلهما حيث كنت في خيمتك؛ كلاً منهما في وقتها، أو جمعًا في وقت الظهر.
إلى مزدلفة:
وعقب غروب شمس يوم التاسع يتوجه الحجيج إلى مزدلفة، وعند الوصول إليها يؤدي الحاج فرض المغرب وفرض العشاء جمع تأخير في وقت العشاء، ولك أن تبيت بمزدلفة حتى تصلي بها الصبح، ثم تتوجه إلى منى، وهذا متوقف على استطاعة المبيت بمزدلفة، وكلها موقف وهي المشعر الحرام، وفيها: أكثر من الذكر والدعاء والاستغفار والطلب من الله، واجمع من أرضها الحصوات التي سترمي بها جمرة العقبة صباح يوم النحر بمنى، وهي سبع حصوات كل واحدة منها في حجم حبة الفول. ولك أن تجمعها من أي مكان غير مزدلفة، ولك أن تجمع جميع حصوات الرمي في الأيام الثلاثة، ومجموعها 49 حصاة للمتعجل و70 للمتم: سبع منها لجمرة العقبة يوم النحر، وواحدة وعشرون للجمرات الثلاث في ثاني أيام العيد، ومثلها في ثالث أيامه للمتعجل.
ومن بقي بمنى إلى رابع أيام العيد، فعليه رمي الجمرات الثلاث كل واحدة بسبع حصوات، كما فعل في اليومين الثاني والثالث وهو المتم.
الذهاب إلى منى ورمي جمرة العقبة:
بعد الرجوع من عرفة إلى منى بعد منتصف الليل أقصد إلى جمرة العقبة، وارمها بالحصيات السبع، واحدة بعد الأخرى على التوالي، وارم بقوة، وقل: بسم الله والله أكبر: رجمًا للشيطان وحزبه.
اللهم اجعله حجًا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا.
واقطع التلبية التي التزمتها منذ أحرمت، وإياك ورمي هذه الجمرات أو غيرها بالحجارة الكبيرة أو العصي أو الزجاج أو الأحذية، كما يفعل بعض الناس؛ لأن كل هذا مخالف للسنة الشريفة، ولك أن تؤجل الرمي لآخر النهار، ولا حرج عليك.
الإنابة في الرمي:
إذا عجز الحاج عن الرمي بنفسه لمرض أو لعذر مانع في وقته، جاز أن يوكل غيره في الرمي عنه، بعد رمي الوكيل لنفسه.
التحلل من إحرام الحج:
بعد رمي جمرة العقبة هذه، يحلق الحاج رأسه، أو يقصر من شعره، وتقصر الحاجة من أطراف شعرها، ولا تحلق.
التحلل الأصغر:
وبهذا الحلق أو التقصير يحصل التحلل الأصغر من إحرام الحج، ويحل ما كان محرمًا -عدا الاتصال الجنسي بين الزوجين-؛ فإن هذا لا يحل إلا بعد طواف الإفاضة الذي قال الله في شأنه: "وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ" (الحج: 29).
طواف الإفاضة والسعي والتحلل الأكبر:
بعد رمي جمرة العقبة، والتحلل بالحلق أو التقصير، يذهب الحاج إلى مكة للطواف بالكعبة سبعة أشواط، هي: طواف الفرض، ويسمى طواف الإفاضة أو طواف الزيارة، وقد سبق بيان أحكام الطواف، ثم يصلي ركعتين في مقام إبراهيم، ويشرب من ماء زمزم، ويسعى بين الصفا والمروة، على ما تقدم بيانه، وبذلك يكون الحاج قد تحلل التحلل الأكبر.
المبيت بمنى ورمي باقي الجمرات:
بعد طواف الإفاضة عُد إلى منى في نفس اليوم، وبت فيها ليلة الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة، ويجوز أن تبقى في مكة، ثم تتم الليلة بمنى، كما يجوز أن تستمر في منى وتتم الليلة بمكة. ولك ألا تبيت بمنى، وإن كُرِهَ ذلك لغير عذر.
ومن الأعذار عدم تيسر مكان المبيت؛ ولكن يلزمك إذا لم تبت في منى: أن تحضر إليها لرمي الجمرات.
أماكن رمي الجمرات الثلاث ووقته:
الصغرى، وهي القريبة من مسجد الخيف، ثم الوسطى، وهي التي تليها وعلى مقربة منها ثم العقبة، وهي الأخيرة.
ارمِ هذه الجمرات في كل من يومي ثاني وثالث أيام العيد: كل واحدة بسبع حصوات، كما فعلت حين رميت جمرة العقبة في يوم العيد.
وقت رمي الجمرات:
ووقت رمي هذه الجمرات من الزوال إلى الغروب، وبعد الغروب أيضًا، ولكن الأفضل عقب الزوال لموافقته فعل الرسول -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- متى كان ذلك ميسورًا دون حرج أو مشقة.
وقد أجاز الرمي قبل الظهر: عطاء وطاووس وغيرهما من الفقهاء.
وأجاز الرافعي -من الشافعية- رمي هذه الجمرات من الفجر إلى الفجر.
هذا كله موافق لإحدى الروايات عن الإمام أبي حنيفة " يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" (البقرة: 185). و"لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا" (البقرة: 286).
الى اللقاء فى الجزء الخامس