الجزء الخامس من
دليل الحج والعمرة
حيض المرأة قبل طواف الإفاضة:
للمرأة إذا فاجأها الحيض قبل طواف الإفاضة، ولم يمكنها التخلف حتى انقطاعه ـ أن تستعمل دواء لوقفه وتغتسل وتطوف، أو إذا كان الدم لا يستمر نزوله طوال أيام الحيض بل ينقطع في بعض أيام مدته.
عندئذ يكون لها أن تطوف في أيام الانقطاع عملاً بأحد قولي الإمام الشافعي القائل: إن النقاء في أيام انقطاع الحيض طهر. وهذا القول أيضًا يوافق مذهب الإمامين: مالك وأحمد.
وأجاز بعض فقهاء الحنابلة والشافعية للحائض دخول المسجد للطواف بعد إحكام الشد والعصب وبعد الغسل، حتى لا يسقط منها ما يؤذي الناس ويلوث المسجد، ولا فدية عليها في هذا الحال باعتبار حيضها -مع ضيق الوقت والاضطرار للسفر- من الأعذار الشرعية.
ويجوز للحائض أن تنيب غيرها في الطواف انطلاقًا من أن الحج كله كعبادة تجوز فيه الإنابة.
وقد أفتى كل من الإمام ابن تيمية والإمام ابن القيم بصحة طواف الحائض طواف الإفاضة إذا اضطرت إلى السفر مع صحبتها.
ثم إن النفساء حكمها كالحائض في هذا الموضع.
طواف الوداع:
اسمه يدل على الغرض منه؛ لأنه توديع البيت الحرام، وهو آخر ما يفعله الحاج قبيل سفره من مكة بعد انتهاء المناسك، وقد اتفق العلماء على أنه مشروع، متى فعله الحاج سافر بعده فورًا.
ثم اختلف العلماء في حكم هذا الطواف: هل هو واجب أو سنة؟ بالأول قال فقهاء الأحناف والحنابلة ورواية عن الشافعي، وبالقول الآخر قال مالك وداود وابن المنذر، وهو أحد قولي الشفعي.
يستحب تعجيل العودة:
فيما رواه الدارقطني عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- قال: "إذا قضى أحدكم حجه فليتعجل إلى أهله؛ فإنه أعظم لأجره".
زيارة المدينة المنورة:
إذا لم تكن -أيها الحاج- قد بدأت هذه الرحلة المباركة بزيارة الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ فمن السنة –بعد أن تكون قد فرغت من مناسك الحج- أن تقوم بها، فإنها من أعظم الطاعات وأفضل القربات.
وفي فضلها أحاديث شريفة كثيرة، ولتقصد من الزيارة في حرمه الآمن تحصيلاً للثواب؛ فقد ورد في الحديث الشريف عن صاحب هذا الحرم -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- "صلاة في مسجدي خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام...".
رواه أحمد في مسنده عن عبد الله بن الزبير.
خطة هذه الزيارة وآدابها:
يُسن للزائر -بعد أن يطمئن على أمتعته ومحل إقامته- أن يغتسل، وأن يلبس أحسن ثيابه ويتطيب، وإذا لم يتيسر الاغتسال اكتفى بالوضوء.
ثم يتوجه إلى الحرم النبوي، متواضعًا في سكينة ووقار؛ فإذا دخل من باب المسجد، قصد إلى الروضة الشريفة، وهي بين القبر الشريف والمنبر النبوي، وصلى فيها ركعتين تحية للمسجد، ويدعو الله مجتهدًا في الدعاء؛ لأنه في روضة من رياض الجنة، وفي مهبط الرحمة، وموطن الإجابة، إن شاء الله.
فإذا انتهى الزائر من تحية المسجد والجلوس في الروضة الشريفة توجه إلى قبر الرسول -عليه وآله وصحبه الصلاة والسلام-، ووقف قبالة موضع الرأس الشريف في أدب واحترام، ويسلم على الرسول في صوت خفيض ويقول:
"السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا خيرة الله من خلقه. السلام عليك يا سيد المرسلين وإمام المتقين. أشهد أنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده".
ثم يصلي الزائر على رسول الله -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-، ويبلغ إليه سلامنا وسلام من أوصوه.
ثم يترك هذا الموضع إلى اليمين قليلاً بما يساوي ذراعًا (أقل من المتر) ليجد نفسه واقفًا قبالة رأس الصديق أبي بكر -رضي الله عنه- فيسلم عليه بقوله: "السلام عليك يا خليفة رسول الله، السلام عليك يا صاحب رسول الله في الغار، السلام عليك يا أمينه في الأسرار. جزاك الله عنا أفضل ما جزى إمامًا عن أمة نبيه".
ثم يتجاوز مكانه إلى اليمين قدر ذراع أيضًا، ليجد نفسه واقفًا قبالة رأس عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فيقول:
"السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يا مظهر الإسلام، السلام عليك يا مكسر الأصنام، جزاك الله عنا أفضل الجزاء".
وبعد هذا يستقبل الزائر القبلة، ويدعو بما شاء لنفسه ولوالديه وأهله، ولمن أوصاه بالدعاء شاملاً جميع المسلمين.
وينبغي للزائر ألا يلمس حجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولا يقبل الحواجز ولا الحيطان، ولا يطوف حولها؛ لأن هذا منهي عنه في أحاديث وفيرة عن الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
وينبغي للزائر كذلك أن يغتنم مدة وجوده في المدينة، فيصلي في مسجد الرسول -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- الصلوات الخمس، وعليه أن يكثر من تلاوة القرآن الكريم فيها، ومن الدعاء والاستغفار والتسبيح.
ومن المستحب زيارة أهل البقيع، حيث دُفن أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- من المهاجرين والأنصار والصالحين، كما يزور شهداء أحد، وقبر سيد الشهداء "حمزة" عم الرسول -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- ومسجد قباء؛ أول مسجد بناه الرسول، صلى الله عليه وسلم.
وفي ختام الإقامة بالمدينة لا تفارقها -أيها الزائر- إلا بعد أن تصلي ركعتين في مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وتزور الرسول وصاحبيه، وتسأل الله تيسير العودة لهذه الزيارة وتكرارها.
الى اللقاء فى الجزء السادس